يُعدّ التعليم من القطاعات الحيوية والمجهر الحقيقي الذي تُقاس من خلاله مستوى التنمية التي بلغتها الاقطار.
والتعليم أيضا حاجة ضرورية لبناء مجتمع منتج وخلآق، ولكن كيف تبدو صورة التعليم في العالم العربي؟
والتعليم أيضا حاجة ضرورية لبناء مجتمع منتج وخلآق، ولكن كيف تبدو صورة التعليم في العالم العربي؟
لن أتعرض للعملية التربوية بحد ذاتها من حيث المناهج والآليات والبنية الأساسية والإطار التربوي من حيث الكفاءة أو إنعدامها ولكن سأركز على ظاهرة أراها خطيرة جداً وتهدد العملية التربوية بل قد تنسف أهدافها التي بُعثت لأجل تحقيقها.
هذه الظاهرة والتي اصبحت تُشكل هاجس وضغط نفسي ومادي لأولياء الأمور خاصة في هذا التوقيت الدقيق إقتصاديا.
وهذه الآفة تصيب التعليم الخاص والعام على حدّ سواء ... فالمعلم الذي كاد أن يكون رسولاً غير وجهته نحو سوق المقايضة ... فقد حول وظيفته التربوية والتعليمية إلى مصدر إثراء عبر الدروس الخصوصية.
هذه الدروس تحولت إلى غول حقيقي يلتهم جيوب الأولياء والذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الظروف الإقتصادية العصيبة وسندان جشع المدرسين.
فالطالب الذي يأبى تلقي هذه الدروس، إيمانا منه بقدراته الذاتية ورفقاً بميزانية والده المتواضعة، يجد نفسه قد تحولّ إلى عدوّ لِمُدرسهِ بشكل قسري ... فيُهمش داخل الفصل ... وتُمسّ علاماته ... بل قد يُحرم من جائزةٍ مُستحقة.
هذا الوضع النفسي قد يُربك علاقة التلميذ بالتعليم وتتحول علاقة السلم والحب إلى كرهٍ ونبذٍ وتسرب وربما مغادرة مبكرة لمقاعد الدراسة.
فإذا كان المدرس في القطاع العام قد إستبدل وظيفته من مربي إلى تاجر وسمسار في نفس الوقت فإن الوضع في المدارس الخصوصية أشد بأساً.
فإذا كان المدرس في القطاع العام قد إستبدل وظيفته من مربي إلى تاجر وسمسار في نفس الوقت فإن الوضع في المدارس الخصوصية أشد بأساً.
هذه المدارس وبعد إتفاق مبدئي بينها وبين الأولياء قد تُفاجئك أثناء العام الدراسي ودون إعلان مسبق بزيادة في الأقساط.
هذه الزيادة والتي قد تكون أقرتها الحكومة تُحيلها المدرسة ليتحملها ولي الأمر مُرغماً بإعتبار أن أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة مطالبين بتطبيق القانون وتنفيذ هذا الأخير يُحمّل وزره أولياء الأمور والتي قد أثقلت موازينهم أصلاً بتكاليف ومصاريف الحياة المختلفة اليومية والتي أبرز عناوينها الغلاء المُستشري مقابل تقلص المداخيل بل ربما توقف شرايينها تماماً في ظِلِ الأزمات الإقتصادية المتعاقبة وإنتشار البطالة.
في ظلّ هذا الواقع هل ولي الأمر مُضطراً لدفع ضرائب الزيادة لمواصلة أبناءه مشوار التعليم؟
أولاً لنَقُرّ بأمر هام: أن الدروس الخصوصية والتي أضحت مزراب مادي ضخم للمدرسين وإرتفاع وزيادة الأقساط المدرسية بشكل مفاجىء ربما يبررها أصحاب الإختصاص بأنها الطريق الوحيد لمجابهة ضغوط الحياة المعيشة ولكن هنا مكمن العلّة..
فمن حقّ المدرسين أن يطالبوا بزيادة مرتباتهم ولكن عليهم بإتباع الوجهة الصحيحة ... فإذا كانوا موظفين لدى الحكومة فعلى الأخيرة التكفل بالزيادة وليس بتشريع وضع غير قانوني أصلاً (الدروس الخصوصية) فكأنها وجدت في هذا مخرجاً ومنفساً لها من تحمل نفقات تلزمها.
أما أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة والتي جعلوا منها مشاريع إستثمارية ربحية عليهم بإحترام تعهداتهم مع أولياء الطلبة ... إذ هل من المعقول أن توافق على قرار الرفع في أجور المدرسين بجعل أولياء التلاميذ أكباش فداء؟ ... والأخطر دون إعلام مسبق.
وفي كِلا الحالتين يصبح وليّ الأمر هو الطرف الأضعف والوحيد والمُلزم بتنفيذ قوانين لم يُستشر فيها ... وليس طرف فيها ... ولم يقرّها أو يُطالب بها ... بل لم يُراع حتى في وضعه الاقتصادي.
لنفترض جدلاً أن الزيادة في القسط الغير مُعلن مسبقاً والغير متفق عليه فيما قبل ولا تتحمله ميزانية الأسرة ما العمل؟
فإذا عجز ولي الأمر فعلاً على الإيفاء بهذه الزيادة والتي توافقت مع وضع اقتصادي مترد أصلاً بين الغلاء المستشري وتراجع المداخيل فأيُّ خيارٍ سيبقى أمامه؟
فإذا عجز ولي الأمر فعلاً على الإيفاء بهذه الزيادة والتي توافقت مع وضع اقتصادي مترد أصلاً بين الغلاء المستشري وتراجع المداخيل فأيُّ خيارٍ سيبقى أمامه؟
إما البحث عن مدرسة أخرى تُناسب وضعه المالي
وإما سيكون مُجبراً على إنقطاع إبنه عن الدراسة (لعامه الدراسي) وهذان الوضعان لهما تبعات نفسية وإجتماعية خطيرة على التلميذ من بينها:
وإما سيكون مُجبراً على إنقطاع إبنه عن الدراسة (لعامه الدراسي) وهذان الوضعان لهما تبعات نفسية وإجتماعية خطيرة على التلميذ من بينها:
في حال تغيير المدرسة اثناء العام الدراسي وبتغير الجو العام الذي إعتاده سيفقد التلميذ التركيز ويُصاب بالتذبذب لحين تعوّده على الوضع الجديد (فضاءاً وإطاراً تعليمياً وأتراباً )، هذه النفسية الجديدة قد تُؤثر سلباً على نتائجه لحين تحقيق إندماجه الكلّيّ في الوضع الجديد.
أما الحالة الثانية وهي الأخطر عندما تضطر الاسرة إلى قطع رحلة التعليم عن إبنها مؤقتاً للسنة التالية، هذا الوضع قد يُغذي في الطفل عدة سلوكيات نفسية منها: تحول علاقته بالتعليم من حميمية إلى عدائية ... تولد شعور بالغُبن ... النقمة على وضع ليس له ذنب في خلقه ... والأهم إنهيار النموذج الإجتماعي القدوة وأقصد به هنا المدرس.
لذا مما سبق، برأيي أنه يتوجب على جميع الأطراف المسؤولة حكومة ومدرسين وأصحاب مؤسسات تعليمية أن ينوؤا بالتعليم لقداسته وأهميته في العملية التنموية ويرتفعون به عن منطق التسليع والتجارة.