lundi 9 janvier 2012

تحول التعليم إلى سلعة

يُعدّ التعليم من القطاعات الحيوية والمجهر الحقيقي الذي تُقاس من خلاله مستوى التنمية التي بلغتها الاقطار.
والتعليم أيضا حاجة ضرورية لبناء مجتمع منتج وخلآق، ولكن كيف تبدو صورة التعليم في العالم العربي؟


لن أتعرض للعملية التربوية بحد ذاتها من حيث المناهج والآليات والبنية الأساسية والإطار التربوي من حيث الكفاءة أو إنعدامها ولكن سأركز على ظاهرة أراها خطيرة جداً وتهدد العملية التربوية بل قد تنسف أهدافها التي بُعثت لأجل تحقيقها.

هذه الظاهرة والتي اصبحت تُشكل هاجس وضغط نفسي ومادي لأولياء الأمور خاصة في هذا التوقيت الدقيق إقتصاديا.

وهذه الآفة تصيب التعليم الخاص والعام على حدّ سواء ... فالمعلم الذي كاد أن يكون رسولاً غير وجهته نحو سوق المقايضة ... فقد حول وظيفته التربوية والتعليمية إلى مصدر إثراء عبر الدروس الخصوصية.

هذه الدروس تحولت إلى غول حقيقي يلتهم جيوب الأولياء والذين يجدون أنفسهم بين مطرقة الظروف الإقتصادية العصيبة وسندان جشع المدرسين.

فالطالب الذي يأبى تلقي هذه الدروس، إيمانا منه بقدراته الذاتية ورفقاً بميزانية والده المتواضعة، يجد نفسه قد تحولّ إلى عدوّ لِمُدرسهِ بشكل قسري ... فيُهمش داخل الفصل ... وتُمسّ علاماته ... بل قد يُحرم من جائزةٍ مُستحقة.

هذا الوضع النفسي قد يُربك علاقة التلميذ بالتعليم وتتحول علاقة السلم والحب إلى كرهٍ ونبذٍ وتسرب وربما مغادرة مبكرة لمقاعد الدراسة.
فإذا كان المدرس في القطاع العام قد إستبدل وظيفته من مربي إلى تاجر وسمسار في نفس الوقت فإن الوضع في المدارس الخصوصية أشد بأساً.

هذه المدارس وبعد إتفاق مبدئي بينها وبين الأولياء قد تُفاجئك أثناء العام الدراسي ودون إعلان مسبق بزيادة في الأقساط.

هذه الزيادة والتي قد تكون أقرتها الحكومة تُحيلها المدرسة ليتحملها ولي الأمر مُرغماً بإعتبار أن أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة مطالبين بتطبيق القانون وتنفيذ هذا الأخير يُحمّل وزره أولياء الأمور والتي قد أثقلت موازينهم أصلاً بتكاليف ومصاريف الحياة المختلفة اليومية والتي أبرز عناوينها الغلاء المُستشري مقابل تقلص المداخيل بل ربما توقف شرايينها تماماً في ظِلِ الأزمات الإقتصادية المتعاقبة وإنتشار البطالة.

في ظلّ هذا الواقع هل ولي الأمر مُضطراً لدفع ضرائب الزيادة لمواصلة أبناءه مشوار التعليم؟

أولاً لنَقُرّ بأمر هام: أن الدروس الخصوصية والتي أضحت مزراب مادي ضخم للمدرسين وإرتفاع وزيادة الأقساط المدرسية بشكل مفاجىء ربما يبررها أصحاب الإختصاص بأنها الطريق الوحيد لمجابهة ضغوط الحياة المعيشة ولكن هنا مكمن العلّة..

فمن حقّ المدرسين أن يطالبوا بزيادة مرتباتهم ولكن عليهم بإتباع الوجهة الصحيحة ... فإذا كانوا موظفين لدى الحكومة فعلى الأخيرة التكفل بالزيادة وليس بتشريع وضع غير قانوني أصلاً (الدروس الخصوصية) فكأنها وجدت في هذا مخرجاً ومنفساً لها من تحمل نفقات تلزمها.

أما أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة والتي جعلوا منها مشاريع إستثمارية ربحية عليهم بإحترام تعهداتهم مع أولياء الطلبة ... إذ هل من المعقول أن توافق على قرار الرفع في أجور المدرسين بجعل أولياء التلاميذ أكباش فداء؟ ... والأخطر دون إعلام مسبق.

وفي كِلا الحالتين يصبح وليّ الأمر هو الطرف الأضعف والوحيد والمُلزم بتنفيذ قوانين لم يُستشر فيها ... وليس طرف فيها ... ولم يقرّها أو يُطالب بها ... بل لم يُراع حتى في وضعه الاقتصادي.

لنفترض جدلاً أن الزيادة في القسط الغير مُعلن مسبقاً والغير متفق عليه فيما قبل ولا تتحمله ميزانية الأسرة ما العمل؟
فإذا عجز ولي الأمر فعلاً على الإيفاء بهذه الزيادة والتي توافقت مع وضع اقتصادي مترد أصلاً بين الغلاء المستشري وتراجع المداخيل فأيُّ خيارٍ سيبقى أمامه؟

إما البحث عن مدرسة أخرى تُناسب وضعه المالي
وإما سيكون مُجبراً على إنقطاع إبنه عن الدراسة
(لعامه الدراسي) وهذان الوضعان لهما تبعات نفسية وإجتماعية خطيرة على التلميذ من بينها:

في حال تغيير المدرسة اثناء العام الدراسي وبتغير الجو العام الذي إعتاده سيفقد التلميذ التركيز ويُصاب بالتذبذب لحين تعوّده على الوضع الجديد (فضاءاً وإطاراً تعليمياً وأتراباً )، هذه النفسية الجديدة قد تُؤثر سلباً على نتائجه لحين تحقيق إندماجه الكلّيّ في الوضع الجديد.

أما الحالة الثانية وهي الأخطر عندما تضطر الاسرة إلى قطع رحلة التعليم عن إبنها مؤقتاً للسنة التالية، هذا الوضع قد يُغذي في الطفل عدة سلوكيات نفسية منها: تحول علاقته بالتعليم من حميمية إلى عدائية ... تولد شعور بالغُبن ... النقمة على وضع ليس له ذنب في خلقه ... والأهم إنهيار النموذج الإجتماعي القدوة وأقصد به هنا المدرس.
لذا مما سبق، برأيي أنه يتوجب على جميع الأطراف المسؤولة حكومة ومدرسين وأصحاب مؤسسات تعليمية أن ينوؤا بالتعليم لقداسته وأهميته في العملية التنموية ويرتفعون به عن منطق التسليع والتجارة.

mardi 3 janvier 2012

الإزدواجـــــية


إزدوا جـــــــــــــــــية
عندما تقف على سلوكيات بعض المغتربين بين بلاد المهجر والإقامة وبين موطنهم الاصلي تصاب بالدهشة المصحوبة بتساؤلاتٍ عدة وحيرة تستجدي الفهم لتنجلي.
فهذا العربي سواء كان أصيل المدينة أو الريف وبمجرد أن يحطّ الرحال في بلاد العجم يخلع ثوبه ليلتحف الإفرنجي منه ... وليس هذا محلّ تعجبي بإعتبار أن هذا الأمر جد بديهي وطبيعي ومفهوم في جوانب عدة منه ... ولكن أنا لا أتحدث عن المظهر الخارجي والذي اضحى مألوفاً حتى في ديارنا والذي يدخل في باب التأثر بالآخر وعلى رأيّ إبن خلدون "المغلوب يتشبه بالغالب في لباسه وسحنته ولسانه" وإذا كان علم الإجتماع يرى لهذا مبرراته الإقتصادية والإجتماعية وحتى الثقافية والانتروبولوجية فإن الأمر الذي يتمحور حوله الاشكال هو: لماذا يتغير سلوك هؤلاء بين الـ هنا والـ هناك؟
لنغوص في المسألة بعمق أكبر ... فالعربي في بلاد العجم يحترم القوانين بما فيها قانون الطرقات ... يعمل بجدّ وإخلاص وتفانٍ حتى دون إبداء أي امتعاض ولو صادف ظروف عمل شاقة أو مزرية صحياً وإجتماعيا ... بل يمكن القول ودون وجل أن الكثير من المغتربين يمتهنون أعمالاً قد يستنكفونها في أوطانهم الأصلية.
نعم .. نعم بلغني إحتجاجكم على قولي هذا وأنصت إليكم وأنتم تقولون: إنه يرضى بتلك الأعمال مقابل أجر لا يمنحه له وطنه الأصلي ... وأجيب! إحتجاجكم جداً منطقي ولكن العلة ليست هنا وإن كان فيها نقاش إنما العلّة في عقلية الإستنكاف بل والتواكل وتبخيس لحد الإحتقار لبعض الأعمال ... بل ترى بعضهم يتطاوسون على عمال بعض القطاعات وينظرون اليهم باشمئزاز في حين يمارسون هم نفس هذه الأعمال في بلاد الغرب ...
فهل هي عملية تعويض؟ أم الأمر يتعلق بحالة إنفصام نفسي؟ أم لا يشعر بكينونته وفوقيته إلا بين بني جلدته؟.
أنظر إليهم وهم خلف مقود سياراتهم التي تأتي بهم ولايأتون بها كعنوان لإنتماءهم الجديد، إذ يدوسون على قوانين الطرقات متجاوزينها في حين تراهم قطيعاً منضبطاً في بلد الإقامة ... فبما نفسر هذا السلوك الأرعن؟

أوليس من المفروض أنهم جاؤوا رسلاً للحضارة المتمدنة فلما يخونوها مع أول موطىء قدم في بلدانهم الاصلية؟ بل لا يتوانى أحدهم وكنوع من لفت الانظار أن يتجاوز طابور السيارات بسرعة جنونية ... والبعض الآخر لا يستحى أن يدوس وكانه في حالة إنتقام في الحفر والمسطحات المائية التي تزين طرقاتنا ليرش المارة بمياهها القذرة.
هذه السلوكيات وغيرها من إستعمال لغة الإقامة بشكل ركيك في تعامله مع محيطه الأصلي كنوع من الفاتازيا والبرستيج إلى إستيراد نمط حياة لا تتلائم في الأغلب مع بيئته الأصلية ولكن ربما لتشعره بالتميز ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إنها نماذج أبسط ما توسم به أنها تعاني حالة إنفصام مستفحلة ومستديمة ... لكن الأكيد تتطلب حالتهم دراسة اجتماعية ونفسية معمقة ...